تاريخ كرة القدم في إسبانيا كان يعاني من أزمات عميقة في العقدين الأولين من هذا القرن. حيث تعرض أكثر من 20 نادياً للإفلاس، وظهرت عناوين الأخبار تحمل قضايا تتعلق بالأجور غير المدفوعة، بالإضافة إلى ديون ضخمة تتجاوز 595 مليون جنيه إسترليني على السلطات الضريبية والضمان الاجتماعي. في ظل هذا المناخ، اعتبرت الأندية الإسبانية استثمارات ذات مخاطر عالية للغاية.
جاءت نقطة التحول الحاسمة في عام 2013 مع تدشين إطار الرقابة الاقتصادية في البطولة، مستلهمة من قواعد اللعب النزيه المالي في الاتحاد الأوروبي.
منذ ذلك الحين، تمثل الركيزة الأساسية لهذا النظام في قصر إنفاق الأندية على ما تولده من إيرادات فقط. وتم إدخال حدود على الرواتب، مما جعل الأندية مضطرة لإثبات إيراداتها قبل القيام بأي استثمارات. كما تمت مراقبة جميع المعاملات المالية عن كثب.
كان التغيير دراماتيكياً توجّهت فيه الأندية نحو استغلال مديونياتها، حيث تحولت الخسائر إلى أرباح، مما أدي إلى عودة المستثمرين الأجانب. اليوم، أصبح باستطاعة الأندية مثل أتلتيكو مدريد وفالنسيا وإسبانيول وكاديس وليغانيس جذب التمويل والاستثمارات.
حتى برشلونة، النادي الذي يحظى بشهرة دولية واسعة، اضطر إلى بيع أصوله وتفعيل "العتلات" المالية للامتثال للقواعد المالية الجديدة، مما يعكس تطبيق هذه القواعد بشكل شامل على جميع الفرق.
لم يكن هذا مجرد إصلاحات رياضية، بل كان أساساً لصناعة جديدة. انتقلت الأندية من مشروعات غير مستقرة إلى شركات قادرة على توليد آلاف الوظائف والمساهمة بشكل كبير في الاقتصاد الإسباني.
يمكن القول إن هذا التحول من الفوضى إلى الاحتراف يعد من أكبر إنجازات البطولة خلال العقد الماضي، حيث أصبح هناك تعزيز لمعايير الحوكمة وزيادة الشفافية، مع تشجيع الأندية على تعزيز إدارتها.
أصبح تحديث الأندية من الأولويات الرئيسية، مع تزايد التركيز على البيانات والتكنولوجيا ومصادر الدخل المتنوعة.
ومع ذلك، يكشف النموذج الحالي عن بعض أوجه القصور، حيث تركت صلابة القواعد بطولات الفرق النسائية في موقف غير ملائم، متسببة في أن تعطي الأندية الأولوية لفرقة الرجال. وعلى الرغم من نجاح فريق برشلونة النسائي، فإنه بدأ الموسم فقط بـ 17 لاعبًا مسجلاً، بينما تتاح المنافسة في خارج إسبانيا فرصاً أكبر.
كما تعرضت الأقسام الرياضية الصغيرة لضغوط، مما يبرز الحاجة إلى تعديلات مستقبلية يمكن أن تحقق التوازن بين الانضباط المالي والشمولية.
لسنوات، عاشت كرة القدم الإسبانية على مصدرين رئيسيين للإيرادات: حقوق بث المباريات وعمليات نقل اللاعبين. تضاعف العائدات الناتجة عن حقوق البث الجماعية التي تم تدشينها في عام 2015، فبلغ الدخل السنوي حوالي 1.3 مليار جنيه إسترليني، حيث سجلت أعلى مستوياتها عند 1.4 مليار جنيه إسترليني في موسم 2019-20.
على الرغم من ازدهار عمليات النقل قبل تفشي الوباء، إلا أن السوق قد شهد تبريداً منذ ذلك الحين. كما تعاني الأندية من تأثير القرصنة، التي تكبدها خسائر سنوية تتراوح بين 510 إلى 595 مليون جنيه إسترليني، مما يثير المخاوف من أن دوري الأبطال المعاد تصميمه قد يقوض من قيمة الدوري الإسباني.
بينما حصلت البطولة على صفقة محلية تمتد لخمس سنوات حتى عام 2027، إلا أن التوقعات تشير إلى أن إيرادات حقوق البث قد تواجه انكماشاً في المستقبل.
تتجه كرة القدم الإسبانية نحو تحول جذري، حيث انطلقت من أزمات عميقة إلى مسارات احترافية جديدة. ومع ذلك، يجب على المعنيين التركيز على معالجة التحديات الحالية وتحقيق التوازن بين الإنفاق والشمولية لضمان مستقبل أكثر إشراقاً للعبة.