يعتبر النجاح الرياضي في سلوفينيا مثيرًا للإعجاب بالنسبة لدولة صغيرة يبلغ عدد سكانها أكثر من مليوني شخص. فقد تمكنت من تحقيق سبع ميداليات في الألعاب الأولمبية الشتوية الأخيرة ولديها نجم مثل لوكا دونسيتش في الدوري الأمريكي للمحترفين وأفضل دراج في العالم، تاديج بوغاكار، الذي يبرز من بين الرياضيين المتفوقين. لكن هل يعود هذا النجاح إلى وجود موهبة نادرة أم أن هناك عوامل أخرى تسهم في ذلك؟
يعتقد جريجور جوراك، أستاذ اللياقة البدنية في جامعة ليوبليانا، أن هنالك أسباب عدة تجعل سلوفينيا مكانًا مثاليًا للرياضيين الشباب. وقال: "جميع السكان يتمتعون بمستوى عالٍ من اللياقة البدنية ويمتلكون معرفة بدنية جيدة." وهذا يشمل التعليم الرياضي في المدارس، حيث يتلقى معلمو التربية البدنية تدريبًا مكثفًا يستمر لخمس سنوات قبل أن يبدأوا بالتدريس، ما يساهم في رفع مستوى التعليم الرياضي في البلاد.
تشير الأبحاث إلى أن الأمهات يمثلن عاملًا حاسمًا في نمط حياة الأطفال، حيث تنقل الأمهات الناشطَات بدنيًا عاداتهن الصحية إلى أطفالهن. ويعد دور الأمهات كمديرات للوقت في العائلة مهمًا، بما أنهن يحتفظن بالعديد من الأنشطة الرياضية في جدول الأسرة، ما يساعد في تشجيع الأطفال على المشاركة في النشاطات الرياضية.
برامج مثل برنامج "Slofit" الوطني، الذي يتابع التنمية البدنية للأطفال، تساهم في تعزيز الأنشطة الرياضية من خلال توفير بيانات تتيح للآباء مراقبة نمو أطفالهم وضمان تلبية احتياجاتهم الرياضية. هذه النظام عمل في جميع المدارس منذ عام 1987، ويعد أداة فعالة لتحسين الصحة العامة.
بعد الاستقلال عن يوغوسلافيا في عام 1991، أصبحت الرياضة جزءًا من الهوية الوطنية للسلوفينيين، خاصة في الرياضات الشتوية. يساهم التنوع الجغرافي في طبيعة سلوفينيا، بما في ذلك المساحات الخضراء والجبال، في دعم الأنشطة الرياضية المتنوعة. يقول جوراك إنّ عدم هيمنة كرة القدم على الساحة الرياضية في سلوفينيا قد ساهم أيضًا في تعزيز تنوع الثقافة الرياضية.
خلف كل هذه الممارسات الإيجابية توجد مسألة الميل الطبيعي، حيث تم تسليط الضوء على قدرة بوغاكار الاستثنائية في اختبار القدرة الهوائية. يثير هذا الأمر تساؤلات حول ما إذا كانت موهبة بوغاكار قد تطورت بفضل بيئته الرياضية الداعمة. ويؤكد جوراك أنه بالرغم من موهبة بوغاكار، فإن هذا النجاح لا يمكن أن يحدث دون الدعم البيئي المناسب.
إن نجاح سلوفينيا في الرياضة يعتبر مصدر فخر ويمثل تطورًا في تقدير الذات لدى المجتمع. في العقدين الماضيين، ساهم النجاح الرياضي في تعزيز الهوية الوطنية وقدرتها على المنافسة مع الدول الأكبر. إن هذا النجاح يعود إلى الأمر المهم في تطوير المواهب محليًا، وهو ما يتجسد في تجارب الرياضيين مثل بوغاكار ورولجيك.
تستمر سلوفينيا في التألق في المجال الرياضي بفضل بيئتها المثالية، الدعم الحكومي والخصوصية الثقافية التي لا تقتصر على رياضة واحدة. بفضل التركيز على تطوير الرياضيين الشباب، تملك سلوفينيا نموذجًا يحتذى به لدول أخرى. النجاح السلوفيني ليس مجرد صدفة، بل هو نتيجة عمل وجهود متراكمة على مر الزمن.
